Pages

التطبيع


التطبيع


الباحث: أشرف السيد الشربينى
http://fad-fadah.blogspot.com


لنفرض مثلاً أن أحد أصدقائك قد قام بإلقاءك بإحدى الشتائم.. فإنك سوف تشتاط غيظاً منه وتريد أن تضربه.. ثم تكرر الأمر فى الأيام التالية.. فيزيد غيطك أكثر.. ولكن مع الأيام تكون قد إعتدت على أن يشتمك صديقك بتلك الشتيمة وتبتسم له كلما شتمك بتلك الشتيمة.. بل أنك تكاد تغضب منه إذا مر عليك يوماً ولم يشتمك.. وهذا هو التطبيع.. وهذا ما يحدث فى حياتنا اليومية..
فالموقف السابق يحدث آلاف المرات مع الأصدقاء فى كل دول العالم.. كما يحدث أيضاً بين الدول وبعضها.. فالدولة الباغية تقوم بقتل القليل من الدولة التى إحتلتها كل فترة زمنية.. حتى يعتاد الناس على أن هذا شيئاً طبيعياً.. ولعل أكبر الأمثلة على ذلك عندما تشاهد فى التلفاز فى نشرة الأخبار ما يفعله الإسرائيليون مع الفلسطينيون من قتل وهدم للمنازل فتقول: (وإيه يعنى أما الفلسطينيين ينضربوا؟؟ ما هما كل يوم بينضربوا؟؟؟).. فبعد أن هاج العرب وخرجوا فى حرب 1984 من أجل فلسطين.. أصبح الآن إحتلال فلسطين وإستباحة دماء أبنائها أمراً عادياً..
ومثلما هو الحال بين الأصدقاء وبين الدول وبعضها.. كان الأمر فى الفن أيضاً.. فبعد أن كنا نستمع إلى أم كلثوم وعبد الوهاب.. وبعد أن قام الجمهور بإنزال عبد الحليم حافظ من على خشبة المسرح فى بداية حياته الفنية خوفاً من أن يسئ إلى الغناء ويجعل من الغناء مسخرة فنية.. تطبع الناس بعد ذلك على الأغانى الأجنبية فى السبعينات.. ثم أخذ المطربون فى وطننا فى بداية التسعينات يقلدون تلك الأغانى الأجنبية بألحان أقرب إلى الأجنبية وبكلمات عربية عامية وقالوا جميعاً: "وداعاً للغناء العربى ذات الألحان الشرقية ذات الكلمات الفصحى".. وإنتهى عصر أم كلثوم.. ليبدأ عصر الأغانى عديمة الطعم واللون..
وفى الخصام أيضاً يحدث التطبيع.. فإذا تخاصمت مع أحد أصدقائك تجد نفسك تميل إلى أن تعود إليه.. ولكن كلما طال الخصام يصبح الأمر عادياً.. وتمسح هذا الصديق نهائياً من الذاكرة.. ولا يكون بينكما إلا إلقاء السلام على بعضكما كلما مررتما على بعضكما فى الطريق.. وكثيراً لا تلقون السلام..
والذين يتعودون على الصلاة من صغرهم يكون من الصعب عليهم تركها.. والذبن لا يعتادون عليها منذ الصغر يكون من الصعب عليهم ان يذهبوا إلى الصلاة..
وختاماً.. هل لنا أن نتطبع على السلام بدلاً من الحرب (هذا مع العلم أن طالب السلام لابد أن يكون لديه القوة للحرب وإلا كان جباناً).. وهل لنا أن نتطبع على المصالحة بدلاً من الخصام.. وهل لنا أن نتطبع على المصالحة بدلاً من النفاق والكذب.. وهل لنا أن نسمع من الفن كل ما هو مفيد وجيد بدلاً من سماع التفاهات.. وهل لنا أن نتطبع على العودة إلى الله بدلاً من عصيانه..
وأخيراً.. هل لنا أن نحب بعضنا البعض ونتوحد بدلاً من أن نكره بعضنا البعض ونتفكك.. أرجوا ذلك..
●▬▬▬▬●۩۞۩●▬▬▬▬●
كتبتها يوم الثلاثاء 22 نوفمبر (تشرين الثانى) 2005م - 20 شوال 1426هـ ونشرتها هنا فى أغسطس (آب) 2010م